*هل كان سفرك المبكر إلى أوربا رغبة منك في استكمال تعليمك هناك؟
- بالفعل جاء سفري إلى أوربا، وبالتحديد إلى ألمانيا في سن مبكرة جدا. كان أبي وراء قيامي بهذه الخطوة نظرا لما استجد من ظروف خاصة بالأسرة، بالإضافة لرغبته في أن أستكمل تعليمي هناك، كان ذلك رغماً عني وضد رغبتي؛ فقد تمتعت في سنوات تعليمي المبكرة في مصر بمستوى دراسي مرتفع يعود لوجود مدرسين موهوبين لديهم رغبة شديدة في تعليمنا. ولكن في الوقت ذاته كنت في ألمانيا مثالا لما يتميز به المصري من المثابرة والرغبة في التعلم؛ حيث قمت باستغلال هذه الفرصة جيدا، ونتيجة لذلك تعلمت أشياءً كثيرة كان من المستحيل تعلمها في مصر بهذه السهولة، وهذا التركيز.
*وفيم تخصصت بعد الانتهاء من مرحلة التعليم الأساسي؟
- لقد كان والدي يرى أنني لا بد أن ألتحق بكلية الهندسة، على الرغم أنني كنت وما زلت صاحب ميول فنية وأدبية. كان أبي رجلا واقعيا، وعلى قناعة كاملة بأن الفن والأدب ليسا إلا هواية، ولا ينبغي لهما أن يكونا أكثر من ذلك. وكنت أعتقد بسذاجة الشباب وحماسهم وعدم واقعيتهم أنني سوف أكون واحدًا من اثنين؛ إما مخترعا يخترع اختراعا يأتي على إسرائيل بالكامل، أو شاعرا ينسج قصيدة عندما يسمعها الناس يتأثرون بها ويخرجون يهتفون للحرية وللجهاد وتحرير فلسطين؛ فقد كان تحرير فلسطين هاجس كل الشباب في ذلك الوقت، وكان صلاح الدين الأيوبي وما زال هو قدوتي في الحياة.
تخرجت في كلية الهندسة بجامعة هانوفر الألمانية عام 1968، وبعد تخرجي عملت قرابة 3 سنوات في مجال تصميم الشوارع والكباري، ثم قررت الذهاب لإنجلترا، وهناك تحول مساري من الهندسة الإنشائية إلى دراسة الميكانيكا التطبيقية؛ حيث نلت درجتي الماجستير والدكتوراة في هذا التخصص من جامعة لندن.
درست الهندسة حتى نلت درجة الأستاذية، إلا أن عملك البحثي الآن ينضوي تحت مجال الفيزياء النظرية.. أعتقد أننا في حاجة إلى تفسير لذلك..
اكتشفت في 1985 وجود علم جديد يعرف بعلم "الفوضى المحددة" -جديد بالنسبة لي طبعا- وكنت وقتها أعمل كمدير مشاريع بالمملكة العربية السعودية، وكذلك أتولى رئاسة جامعة القصيم، كنت مشغولا جدا بالأعمال الإدارية. والحقيقة أنه عندما تكون في الشرق الأوسط قد تعتقد أنك تعلم الكثير ربما لأن من حولك يعرفون ما هو أقل، ولكن بمجرد خروجك تكتشف بالطبع خطأ ذلك. كنت أعتقد أن حضوري مؤتمراً أو اثنين في السنة، وكتابتي ورقة بحثية كل شهرين أو ثلاثة، بالإضافة إلى الأعمال الإدارية أنني أنجز بذلك الكثير.
وعندما قررت العودة للخارج لم يكن لدي أبحاث علمية بخلاف بحث واحد فقط في الهندسة الإنشائية؛ حيث كانت وجهتي إلى جامعة كورنيل الأمريكية، وكانت هذه أول قفزة لي في جامعة مشهورة؛ حيث تخصصت في مجال الفوضى المحددة، وهناك أدركت أنني كنت مغيبًا عما وصل إليه هذا المجال، كان الموضوع على وشك أن ينتهي، ولكن بالرغم من ذلك وفقني الله أن أقدم شيئا جديدا فيما يعرف بـ الفوضى المحددة spatial chaos، جعلني واحدا من جيل الكشافين الأخيرpioneers لهذا المجال العلمي الفريد جدا.
*ولكن كيف جاء التحول إلى مجال الفيزياء النظرية؟
- كنت أرى من وجهة نظري -صحيحة كانت أو خاطئة- أن الهندسة تضيق بطموحاتي، وقد كنت كأي شخص يمتلك ميولا أدبية أو فلسفية لدي رغبة عارمة في تغيير العالم إلى الأفضل، وأنا أرى أن الفيزياء النظرية علم ثوري وراء تغييرات كثيرة في مسار حياتنا.
بالطبع.. أنا الآن وبعد أن تجاوزت الستين عاما على قناعة كاملة أنني أو غيري لا يستطيع ذلك. ويبدو أن هذا هو طبع الإنسان الذي يكبر في السن دون أن يحقق ما كان يصبو إليه؛ فيصاب بخيبة الأمل، ثم بعدها تتولد لديه ما يمكن أن نسميه الحكمة، أعتقد أنني الآن في هذه المرحلة من مراحل حياتي.
*ما زال الأمر يحتاج لمزيد من التوضيح؟
- في الأساس هي الفرصة، فإذا لم تُعطَ الفرصة فلن تفعل شيئا. وأود في هذا الإطار أن أقول لك: إنني أعتقد أن صلاح الدين الأيوبي واحد من أعظم الشخصيات في التاريخ، ولكنه لو لم تأته الفرصة لتحرير القدس لما كان يستطيع أن يفعل ذلك؛ فالفرصة شيء مهم.
ثم تأتي النقطة الثانية وهو اغتنامها، وقد جاءتني الفرصة عندما أصبحت في وضع مادي مستقر؛ حيث كان أمامي خياران؛ إما أن أشبع الحيوان المادي الموجود بداخلي، وهذا لا يشبع أبدا، وإما أن أقف أمام نفسي وأطرح سؤالا: ما هي أهمية الحياة؟ وما هي أولوياتي فيها؟. سؤال مهم، لكن بالرغم من أهميته فمعظمنا لا يسأله لنفسه. هذا ما حدث فعلا؛ حيث قررت ترك وظيفتي ذات الراتب الخيالي، وأتجه إلى ما كنت أحب.
كنت في ذلك التوقيت مهندسًا معروفًا في بريطانيا، يقود مجموعة من الشركات الضخمة، ومن ناحية أخرى تعرفت على العديد من العلماء الذين كانوا يعملون لدي كمستشارين في شركاتي، بدأت في استخدام وضعي هذا، وعن طريقهم دخلت جامعة كمبريدج البريطانية.
*ولكن كيف كانت هذه الخطوة.. عفوا.. أقصد القفزة إلى جامعة عريقة بهذا الحجم؟
-هذه بالفعل كانت خطوة صعبة جدا؛ لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال أن 90% ممن ينتمون لهذه الجامعة من اليهود، ونصفهم على الأقل من المتعصبين لإسرائيل، والشخص الذي لعب الدور الرئيسي في دخولي كمبريدج هو السير هيرمان بوندي الذي كان في ذلك الوقت مستشار رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر وأحد ثلاثة علماء أسسوا نظرية "الخلق المستمر". ومن ناحية أخرى كانت هناك مشكلة أكبر؛ لأن كل من حولي كان يعمل في فيزياء الجسيمات عالية الطاقة، وبخاصة نظرية "الأوتار الفائقة" التي تتكامل فيها نظريتا النسبية وميكانيكا الكم.
وبالرغم من اهتمامي بهذا المجال منذ فترة نظرا لحبي لهيزنبرج أحد رواد هذا العلم، وعلاقتي بأحد تلاميذه؛ فلم يكن يخطر على بالي في يوم من الأيام العمل في مثل هذا المجال الصعب، إلا أنه لم يكن أمامي طريق آخر على الأقل لكي أحفظ للسير هيرمان ماء وجهه، ومن هنا بدأت فكرة استغلال ما تعلمته في علوم الفوضى في الإسهام في حل المشكلات الرياضية التي عجزت ميكانيكا الكم في حلها، في إطار محاولات العلماء توحيد قوى الطبيعة المعروفة في الكون، وقد بدأت عملي في هذا الاتجاه؛ وهو ما يعد عملا ثوريا، وطريقا لم يمشِ فيه أحد قبلي.
*نلت العديد من الجوائز، وحظيت بالعديد من أشكال التكريم.. ولكن ماذا عن حقيقة ترشيحكم لجائزة نوبل في الفيزياء؟
- المرة الأولى جاءت عندما استطعت حساب ما يعرف بطيف الكتل الذرية، وهو ما لم تستطع معادلات ميكانيكا الكم تحقيقه إلا من خلال التجارب المعملية فقط، وهي كنظرية رياضية كان عليها تحقيق ذلك رياضيا أولا حتى تكون نظرية مكتملة، ودعم ترشيحي علماء فازوا بنوبل، في مقدمتهم أستاذي البروفيسور إيليا بريجوجين، ثم إنني الآن مرشح لها أيضا في حال اكتشاف ولو جسيم واحد جديد من بين 9 جسيمات دون ذرية؛ حيث تنبأت نظريتي باكتشاف 69 جسيما ذريا، تعد اللبنات الأساسية للكون، بما يزيد من توقعات نظرية الكم التي قالت بوجود 60 فقط تم اكتشافها جميعاً بالفعل.
*في النهاية.. أعتقد أن القراء مثلي يودون معرفة المزيد عن عائلة الدكتور النشائي؟
- من حسن حظي وجود زوجتي الدكتورة ميرفت في حياتي، ولا أبالغ إذا قلت بأنني لا أفعل أي شيء في حياتي دون لمسة منها؛ فهي من ترتب لي حياتي كاملة، وربما دون تدخل مني؛ حيث تحرص دائما على تفرغي الكامل للتفكير والتركيز في عملي فقط، وهي أخت لأعز أصدقائي عبر صداقة دامت منذ أن كانت سنوات عمرنا لا تتجاوز خمس سنوات، كما كان والدها يعمل ضابطًا بالجيش المصري مع والدي أيضاً، وأنا لي من الإخوة اثنان هما: الدكتور عمرو النشائي مدير معهد الزلازل بالولايات المتحدة الأمريكية، وسعيد النشائي العالم الشهير في الهندسة الكيميائية.
وبالنسبة لأسرتي الصغيرة لدي بنتان: الأولى شيرين تخصصت في الديكور، والثانية سونيا تدرس الطب البيطري في لندن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق